يعتبر شراء الأسهم الأمريكية أحد الخيارات الاستثمارية الجذابة، وهو ما يعزى إلى عوامل عدة يصعب حصرها. ربما السبب الأقرب الذي يدفع العامة إلى البحث عن تداول الأسهم الأمريكية هو العلامات التجارية ذائعة الصيت مثل جوجل وآبل وبيبسي وكوكاكولا وغيرها من الشركات الشهيرة التي يعرفها جميع سكان العالم تقريباً. هذه الأسماء الرنانة ربما تجذب اهتمام الشخص العادي وتدفعه إلى التفكير في الاستثمار بأسهم هذه الشركات والاستفادة من نجاحها المدوي، خصوصًا عندما يسمع قصص بعض الأثرياء الذين حققوا ثروات طائلة في هذا المجال مثل وارين بافيت.
برغم ذلك، فإن الاهتمام بالأسهم الأمريكية لا يقتصر على الأشخاص العاديين، بل يعتبر أيضاً أحد الخيارات الهامة للمستثمرين المحترفين لعوامل عدة، يمكن إيجازها على النحو التالي:
- باستثناء سوق الفوركس، فإن سوق الأسهم الأمريكية هي الأكبر عالمياً وأكثرها سيولة على الإطلاق. يجري تداول ملايين الأسهم يومياً وهو ما يوفر للمستثمر خيارات متعددة للانكشاف على قطاعات واسعة بحسب خبراته ومعرفته وتحليلاته وأهداف محفظته الاستثمارية. ضخامة السوق أيضاً تعني سهولة الدخول والخروج في أي وقت، وذلك على عكس بورصات الأسهم في الأسواق الناشئة حيث لا يتمتع سوى عدد قليل من الأسهم بسيولة كافية، ما يصعب من عملية تصفية حيازاتك وقت الحاجة، فضلاً عن أن تسييل استثمارات بمبالغ كبيرة يُحدث صدى واسعاً ويؤثر على سعر السوق.
- الرقابة التنظيمية الصارمة: كما هو الحال في كثير من الاقتصادات المتقدمة، تعتبر السوق الأمريكية واحدة من بين الأكثر انضباطاً وشفافية وذلك بفضل الرقابة المشددة التي تفرضها هيئات التنظيم المختلفة وهو ما يحمي المستثمرين، بما في ذلك الأجانب، من عمليات الاحتيال والتضليل الشائعة في الأسواق الأقل تطوراً. وليس أدل على ذلك من القضايا التي نسمع عنها بشكل شبه يومي تقريباً وتفرض بموجبها السلطات الأمريكية غرامات بملايين الدولارات على بنوك عالمية وشركات وساطة كبرى وغيرهم من الأطراف الفاعلة في السوق.
- وجود فرص للمضاربين: ربما يعتقد البعض أن الاستثمار في الأسهم الأمريكية يقتصر ببساطة على شراء أسهم الشركات الكبرى التي أشرنا إليها آنفاً. ولكن في واقع الأمر، فإن السوق الأمريكية تضم آلاف الشركات ذات الأحجام المختلفة. وبرغم أن البعض يفضل الاستثمار في الأسهم الكبيرة بفضل استقرار إيراداتها وأرباحها وقوة وضعها في السوق الذي تعمل به، ولكن على الجانب الآخر فإن الاحتفاظ بأسهم الشركات الكبيرة لا يُغل عادةً سوى عوائد ما بين منخفضة إلى متوسطة لأن كافة الميزات التي أشرنا إليها تم تسعيرها بالفعل وتنعكس في ارتفاع قيمة السهم. لهذا يبحث بعض المضاربين عن أسهم الشركات الصغيرة والتي يطلق عليها (Penny stocks) والتي تكون قيمتها عادةً بضعة سنتات. توفر هذه الأسهم الرخيصة فرصاً لتحقيق أرباح ضخمة حيث من الوارد أن يرتفع سعرها بـ 20 أو 30 ضعف في غضون ساعات قليلة خصوصاً إذا ارتبطت بها تطورات إيجابية مثل الإعلان عن نجاح إحدى منتجاتها الجديدة، أو الاستحواذ عليها من قبل شركة كبيرة. برغم ذلك، فإن هذه النوعية من الأسهم هي الأكثر عرضة لعمليات التلاعب والتي تتجلى عادةً في نشر أخبار كاذبة أو تقديم طلبات شراء وهمية لرفع قيمة أسهمها بشكل مبالغ فيه ودفع بعض المستثمرين للشراء بأسعار مرتفعة ثم ما تلبث أن تنهار فجأة بعد تكذيب هذه الشائعات.
- الانكشاف على أسواق متعددة: لا تقتصر فوائد الاستثمار في بورصات ناسداك ونيويورك على الانكشاف على الاقتصاد الأمريكي، بل تسمح لها أيضاً بالاستثمار في أسواق ذات طبيعة عالمية مثل النفط والغاز والسلع الزراعية، فضلاً عن العقود الآجلة وغيرها من أدوات المشتقات المالية. أيضاً فإن كثير من الشركات الكبرى العاملة في بلدان أخرى تفضل طرح أسهمها في البورصات الأمريكية بسبب اتساع قاعدة المستثمرين وتوفر سيولة هائلة. ربما أبرز الأمثلة على ذلك عملاق التجارة الإلكترونية الصيني علي بابا والذي طرح أسهمه في بورصة نيويورك في اكتتاب عام قبل بضع سنوات. بطبيعة الحال، فإن شراء أسهم مثل علي بابا سيمنحك فرصة التعرض لأداء الاقتصاد الصيني ولكن في بيئة استثمار أكثر شفافية.
هي يمكن للأجانب الاستثمار في الأسهم الأمريكية
الإجابة المختصرة هي نعم. لا تفرض الولايات المتحدة شروطاً على جنسية المستثمرين في أسواق الأسهم المحلية. برغم ذلك، هناك اعتبارات كثيرة ينبغي على المستثمر من غير مواطني الولايات المتحدة أو المقيمين بها وضعها في اعتباره. على سبيل المثال، فإن مواطني بعض البلدان الخاضعة للعقوبات الأمريكية، مثل السودان أو إيران أو فنزويلا أو كوريا الشمالية، محظور عليهم الوصول إلى أسواق وأدوات الاستثمار في الولايات المتحدة. كما أن القوانين الأمريكية تحظر على شركات الوساطة المحلية فتح حسابات للمقيمين في تلك البلدان أو هؤلاء الذين يحملون جنسيتها.
تدفع هذه القيود شركات الوساطة عادةً إلى فرض اشتراطات صارمة للتحقق من هوية المتداولين الراغبين في الانضمام إليها.
هناك أيضاً اعتبارات ضريبية للاستثمار في البورصة الأمريكية. فبرغم أن القوانين المحلية لا تفرض ضريبة على المكاسب الرأسمالية (الفرق بين سعر شراء وبيع الأسهم). إلا أن توزيعات أرباح هذه الشركات، والتي تعد جزءاً رئيسياً من العائد الذي يحصل عليه المستثمر، يخضع عادةً لضريبة ثابتة تصل إلى 30%. هناك بالطبع استثناءات من هذه القواعد، حيث من الوارد أن توجد اتفاقيات ضريبية بين الولايات المتحدة وبعض البلدان بشأن المعاملة الضريبية لأرباح في الأسهم.
في كل الأحوال، يتعين عليك استشارة شركة الوساطة التي تنوي الانضمام إليها حيث سيكون في الأغلب لها خبرة في معالجة كافة المشكلات المتعلقة بفتح حسابات للمستثمرين الأجانب وستعرفك بشكل أفضل على الشروط المتعلقة بالمعاملة الضريبية والتحقق من الهوية وتحويل الأموال وسحب الأرباح وغيرها من القضايا ذات الصلة.
الخطوة التالية بعد فتح حساب مع شركة وساطة، هو إجراء تحليلاتك الفنية والأساسية ومتابعة التقويم الاقتصادي لمؤشرات الاقتصاد الكلي وكذلك أحداث الشركات، والتي بناءً عليها ستتخذ قرارك بالشراء أو البيع.
ازدادت جاذبية أسواق الأسهم الأمريكية مؤخراً بعد أن اندلعت شرارة ما يطلق عليه “حرب الرسوم” والتي بدأتها شركة روبن هود قبل ست سنوات حين سهلت لجيل الشباب الوصول إلى البورصات الأمريكية والاستثمار بها دون تكاليف كبيرة. وحققت Robinhood نجاحاً هائلاً بفضل نموذج أعمالها القائم على إلغاء الرسوم التي تفرضها شركات الوساطة التقليدية (تتراوح بين 4 إلى 10$ على كل صفقة)، حيث تجاوز قاعدة عملائها 13 مليون حساب، وهو ما يجعلها تناطح شركات الوساطة الراسخة مثل تي دي أميريتريد TD Ameritrade وتشارلز شواب Charles Schwab وإي تريد فاينانشال E*trade Financial والتي تزاول نشاطها منذ أكثر من 40 عاماً.
تتيح أيضاً البورصة الأمريكية خيارات الاستثمار في مؤشراتها الرئيسية، وهو ما يسمح بالانكشاف على قطاعات اقتصادية متعددة بدلاً من الاقتصار على سهم أو أداء شركة واحدة. على سبيل المثال، يضم مؤشر 500 S&P أكبر 500 شركة أمريكية بحسب القيمة السوقية، فيما يقيس مؤشر الداو جونز الصناعي أداء أكبر 30 شركة أمريكية متداولة في بورصتي نيويورك وناسداك. وعلاوة على ذلك، يوفر مؤشر ناسداك المجمع فرصة الاستثمار في أسهم أكثر من 2,500 شركة تعمل في قطاع التكنولوجيا.
تداول الأسهم الأمريكية عبر عقود الفروقات
إذا أعطتك السطور السابقة انطباعاً بأن شراء أسهم في البورصة الأمريكية سيكون عملية معقدة للغاية تتطلب ترتيبات قانونية وضريبية متعددة، فلا داعي للقلق. توفر حالياً معظم شركات الوساطة عبر الإنترنت فرصة الاستثمار في الأسهم الأمريكية من خلال ما يطلق عليه العقود مقابل الفروقات، والتي تتيح لك فرصة شراء السهم والانكشاف على أداء الشركة أو المؤشر دون الحاجة لشرائها بشكل فعلي.
بعبارة أخرى، فإن محل التداول هنا هو سعر السهم وليس السهم ذاته حيث لا يتم تسليمه أو تسلمه بشكل فعلي في نهاية العقد.
ويوفر تداول العقود مقابل الفروقات عدد من المزايا الأخرى يمكن إيجازها على النحو التالي.
- ü استخدام الرافعة المالية: يوفر وسطاء الأنترنت مثل eToro وHYCM وXM رافعة مالية أكبر مقارنة مع تلك التي توفرها شركات الوساطة التقليدية، والتي تكون في الغالب مقيدة بالاشتراطات التنظيمية. على سبيل المثال، فإن وسيط الأسهم لا يمكنه أن يوفر رافعة مالية تزيد عن 1:5 إذا كان العميل يرغب في شراء أسهم إحدى الشركات بشكل فعلي. على العكس من ذلك، تصل هذه الرافعة لدى وسطاء العقود مقابل الفروقات إلى 1:500، ولكن مع الانتباه إلى المخاطر الجسيمة التي تعتري استخدام الرافعة حيث قد تؤدي إلى خسارة كافة إيداعاتك في بضع صفقات.
- ü الوصول إلى جميع الأصول من مكان واحد: لا تستطيع تداول أسهم جنرال موتورز أو جوجل أو آبل أو إنتل سوى في إحدى البورصات الأمريكية، مثل نيويورك أو ناسداك. على العكس من ذلك، تقوم شركات الوساطة بتجميع ألاف الأسهم من جميع أنحاء العالم وإتاحتها للتداول في منصة واحدة. المعادلة بسيطة، فأنت لا تمتلك هذه الأسهم بشكل فعلي عند تداول عقود الفروقات وبالتالي لست بحاجة لقيد صفقتك في هذه البورصات.
- ü التداول أثناء الاتجاهات الصاعدة والهابطة: في البورصات التقليدية، ليس أمامك خيار سوى شراء السهم، وبالتالي لن تتوافر فرص الربح في حالات الهبوط، حيث لن يكون أمامك سوى تقليل خسائرك ببيع ما بحوزتك من الأسهم التي تتوقع هبوط أسعارها. يختلف الأمر بالنسبة لعقود الفروقات، حيث يمكنك فتح صفقات بيع إذا كنت تتوقع هبوط السهم والاستفادة من إعادة شراؤه في وقت لاحق بسعر أقل. تطلق على هذه الآلية ’البيع على المكشوف‘ ولا تقتصر فائدتها على تحقيق الأرباح بل تعتبر أيضاً أحد الأدوات الهامة لإدارة المخاطر.
- ü تنفيذ احترافي وبدون عمولات: يوفر وسطاء العقود مقابل الفروقات بعض أنواع أوامر التداول التي قد لا تكون متاحة لدى الوسطاء التقليديين، مثل الأوامر الشرطية. أيضاً فإن تكلفة تداول عقود الفروقات أقل كثيراً من تداول الأسهم التقليدية حيث لن تضطر لدفع عمولات باهظة، والتي يفرضها وسطاء الأسهم عادةً لتغطية النفقات التي يدفعونها للبورصات.
خاتمة
تعتبر الأسهم الأمريكية واحدة من الخيارات الجذابة لأغراض الاستثمار والتحوط وتنويع المحفظة الاستثمارية، ولكن كما أشرنا آنفًا يتطلب الأمر التدقيق في اختيار شركة الوساطة خصوصًا إذا كنت من غير مواطني الولايات المتحدة. هناك أيضاً شروط للمفاضلة بين اختيار العمل مع شركة وساطة أمريكية وشراء الأسهم مباشرةً أو الاستثمار من خلال منصات عقود الفروقات، وإن كنت شخصياً أفضل الخيار الأخير للمبتدئين للتعرف عل ديناميات السوق الأمريكي بشكل أفضل ناهيك عن مزايا تداول المشتقات المالية التي أشرنا إليها.