تداول العملات وتداول النفط، أيهما أفضل؟

مراجعة شاملة تشرح كافة الفروق بين تداول العملات وتداول النفط. المزايا والعيوب والرسوم والمخاطر في كلا السوقين. كيف تجمع بين الاستثمار في أسواق الفوركس والطاقة على منصة واحدة
تداول العملات

أتلقى أسئلة كثيرة من المتابعين حول الفرق بين تداول العملات وتداول النفط. ولا يقتصر طرح هذا السؤال على المتداولين المبتدئين الذين يخطون أولى خطواتهم في عالم الاستثمار، ويرغبون في معرفة أفضل الأسواق المالية لبدء رحلتهم معها.

حقيقة الأمر أن هناك متداولين محترفين يطرحون نفس السؤال، ولكن في سياق الرغبة في تنويع المحفظة الاستثمارية والتحوط من المخاطر. على سبيل المثال، قد يكون المتداول له باع طويل في الاستثمار بأسواق العملات، ولكن يرغب في تجربة التداول في أسواق النفط. والعكس صحيح، فكثير من محترفي التداول في أسواق الطاقة يبحثون عن الدخول إلى أسواق العملات لتحقيق أهداف عديدة، منها كما ذكرنا تنويع المحفظة الاستثمارية، وفي حالات أخرى سعيًا للتحوط من تأثير أسعار الصرف على أسواق النفط.

وباعتبار أنني قد قضيت سنوات في التداول في كلا السوقين، سأحاول في هذه المقالة شرح أبرز الاختلافات بين تداول العملات والتداول في أسواق النفط. سأحرص على تبسيط الأمور قدر الإمكان حتى يتمكن القارئ المبتدئ من الإلمام بالمعلومات الأساسية قبل الدخول إلى عالم الاستثمار والتداول عبر الإنترنت.

سنتناول أيضًا الاختلافات الرئيسية بين تداول العملات وتداول النفط، والمخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار في كلا السوقين.

الفروق الأساسية بين تداول العملات وتداول النفط

  1. طبيعة المنتجات الاستثمارية

من أبرز الاختلافات بين أسواق النفط والعملات هو طبيعة المنتجات المتداولة في كلا السوقين. بعبارة أخرى، فإن التداول في أسواق الفوركس ينطوي على المضاربة على أسعار صرف العملات. وبشكل أكثر تحديدًا، فإن متداول الفوركس يراهن على أن سعر إحدى العملات سيتحرك صعودًا أو هبوطًا في مقابل عملة أخرى.

على الجانب الآخر، فإن متداول النفط يضارب على الاتجاهات المتوقعة لمنتجات معينة، مثل خام برنت أو خام غرب تكساس أو الغاز الطبيعي أو غيرها من المنتجات المرتبطة بأسواق الطاقة.

  1. العوامل المؤثرة على حركة الأسعار

اختلاف طبيعة منتجات الاستثمار يرافقه بالضرورة اختلاف في العوامل المؤثرة على اتجاهات الأسعار في كلا السوقين. في البداية لابد أن نتذكر أن جميع الأسواق المالية تتأثر بعوامل مشتركة حيث أنها تدور جميعًا في فلك الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، فإن صدور تقرير إيجابي بشأن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، سيدعم ارتفاع الدولار الأمريكي، وفي نفس الوقت سيدفع أسعار النفط للارتفاع بسبب تحسن توقعات الطلب في الاقتصاد الأكبر عالميًا والأكثر استهلاكًا للطاقة.

ولكن بطبيعة الحال تختلف درجة التأثير من سوق مالية إلى أخرى، حيث أن بعض هذه المؤشرات الاقتصادية قد يتردد صداه بشكل أكثر قوة في سوق معينة مقارنة بأسواق أخرى. إذا أخذنا مثال نمو الناتج المحلي في الولايات المتحدة، فإن أثره القوي سيظهر على الدولار الأمريكي كما أسلفنا. وبرغم أن نفس الأصداء الإيجابية ستتردد في أسواق النفط، ولكن سيأخذ مستثمري الطاقة في حساباتهم حجم المعروض العالمي، وكذلك معدلات النمو في مناطق الاستهلاك الأخرى مثل أوروبا والصين وغيرها، عند تقييم الصورة العامة للطلب العالمي.

أسواق الفوركس

  • تتأثر أسواق العملات بشكل رئيسي بأسعار الفائدة التي تعلنها البنوك المركزية، تقارير الناتج المحلي الإجمالي، أرقام الوظائف، معدلات التضخم، وغيرها من بيانات الاقتصاد الكلي المرتبطة بالعملة ذات الصلة.
  • يشيع استخدام استراتيجيات المدى القصير والتحليل الفني في تداول العملات بسبب الطبيعة المتقلبة لحركة أسعار الصرف. ولهذا تركز الغالبية العظمي من متداولي الفوركس على التداول اليومي، حيث تظل الصفقات مفتوحة غالبًا لفترة لا تزيد عن بضعة أيام أو أسابيع

أسواق النفط

  • تتأثر أسواق النفط بشكل رئيسي بالتغيرات في مستويات العرض والطلب والمخاطر الجيوسياسية. على سبيل المثال، فإن اجتماعات دول أوبك تعتبر واحدة من أهم المؤثرات على أسعار النفط، حيث أن الكارتل النفطي يلعب دورًا كبيرًا في تحديد حجم المعروض العالمي.
  • يتابع المستثمرون عن كثب تقارير الاستهلاك مثل التغير في مخزونات الخام في الولايات المتحدة الذي تصدره إدارة معلومات الطاقة الأمريكية كل يوم أربعاء. وتندرج تحت هذه الفئة من البيانات التقارير الدورية التي تصدرها المؤسسات المعنية، مثل وكالة الطاقة الدولية، بخصوص توقعات الطلب ومستويات الإنتاج الفعلي.
  • تؤثر الأحداث السياسية والصراعات الدولية والحروب على أسعار النفط بصورة كبيرة، باعتبار أنها تمثل في الغالب تهديد جسيم وغير متوقع بتعطيل إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية.

أسواق التداول وعقود الفروقات

تندرج السوق الأساسية لتداول العملات، والتي يطلق عليها سوق الفوركس، ضمن أسواق الاستثمار خارج المقصورة (OTC). يعني ذلك أن عمليات التداول لا تجري داخل بورصة مركزية، بل تتوزع على مختلف أنحاء العالم عبر منصات مختلفة تربط بينها شبكات اتصالات متقدمة. يختلف الأمر بالنسبة لأسواق النفط، حيث أن غالبية التداولات تجري في بورصات مركزية يطلق عليها أسواق العقود الآجلة.

برغم ذلك، شهد العقد الأخير تطور كبير في منتجات الاستثمار المتاحة للأفراد، وهو ما أدى إلى ظهور عقود المشتقات التي توفر فرصة المضاربة على أسعار كافة فئات الأصول. الشكل الأبرز لهذه النوعية من المنتجات المالية هي ما يطلق عليها “العقود مقابل الفروقات” والتي تتيح للمستثمر المضاربة على حركة سعر الأصل دون امتلاكه بشكل فعلي.

بعبارة أخرى، فإن الاختلاف الجوهري بين أسواق تداول العملات وأسواق تداول النفط سيكون أكثر وضوحًا بالنسبة للمستثمرين الكبار، فيما تتشابه تجربة التداول إلى حد كبير بالنسبة للمتداولين الأفراد الذين يلجؤون للعمل مع شركات الوساطة بالتجزئة.

الرافعة المالية ومخاطر التداول

بالرغم من إمكانية استخدام الرافعة المالية في كلا السوقين، ولكن نسبة الرافعة المالية المتاحة في سوق العملات أكبر بكثير من أسواق النفط. على سبيل المثال، فإن الحد الأقصى للرافعة المالية على أزواج الفوركس الرئيسية في الاتحاد الأوروبي يبلغ 1:30 فيما لا تزيد تلك النسبة عن 1:10 بالنسبة لمنتجات الطاقة.

ويؤدي اختلاف الرافعة المالية المتاحة في كلا السوقين إلى تباين مستوى الهامش المطلوب عند التداول، الأمر الذي ينعكس على حجم رأس المال الذي يمكنك بدء التداول به.

برغم ذلك، هناك محاذير يجب الانتباه إليها في كل الأحوال مثل سمعة شركة الوساطة التي تتعامل معها، ومقارنة تكاليف ورسوم التداول لاختيار الأفضل من بينها، وأخيراً الانتباه إلى مخاطر الرافعة المالية وضرورة استخدامها بحكمة.

الجمع بين تداول النفط وتداول العملات

ربما يعتقد البعض أن السطور السابقة تعني ضرورة الاختيار بين التداول في أسواق العملات أو أسواق النفط، أي بمعنى آخر لا يمكن الجمع بينهما. حقيقة الأمر أن هناك استراتيجيات وتنويعات عديدة يمكنك من خلالها الانكشاف على أسواق الفوركس والطاقة في آن واحد.

  • أبرز مثال على ذلك هو تداول ما يطلق عليه العملات المرتبطة بالسلع والتي من المعروف تاريخيًا أنها تتحرك صعودًا وهبوطًا في اتجاه متوازي مع أسواق بعض السلع الرئيسية. على سبيل المثال، فإن الدولار الأسترالي يتمتع بمعامل ارتباط قوي مع سعر الذهب الفوري. وهناك علاقة مشابهة بين الدولار النيوزيلندي وأسواق الألبان. وأخيرًا، فإن الدولار الكندي يتأثر بشدة بأسعار النفط الخام، وهو ما يعزى إلى أن كندا تعتبر من أهم الدول المنتجة للنفط.
  • تستطيع أيضًا تداول عملات الأسواق الناشئة، حيث أن كثير منها تعتمد في موازنتها العامة على إيرادات النفط. ولكن يجب الانتباه في هذه الحالة إلى المخاطر المتعلقة بالسيولة، حيث تشهد هذه النوعية من العملات النادرة قفزات هائلة وغير محسوبة، وذلك بالمقارنة مع أزواج العملات الرئيسة التي تتمتع بنوع من الاستقرار بفضل السيولة المرتفعة.

استراتيجيات التداول المستخدمة

يتيح تداول العملات مرونة أكبر في استخدام استراتيجيات التداول مقارنةً بتداول النفط. سنحاول إبراز أهم الاختلافات في النقاط التالية:

  • هناك قطاع كبير من متداولي الفوركس يلجؤون لاستخدام ما يطلق عليه استراتيجيات التجارة الخاطفة (الاسكالبينج)، والتي تنطوي بصفة أساسية على فتح صفقات لفترات زمنية صغيرة، ربما لا تتجاوز بضع دقائق.
  • وبطبيعة الحال، هناك قطاع آخر من متداولي الفوركس يستخدم استراتيجيات لتداول العملات على المدى المتوسط والطويل، والذي يعتمد في هذه الحالة على التحليل الأساسي للمؤشرات الاقتصادية.
  • يختلف الأمر قليلاً عند تداول النفط، حيث أن المنخرطين في هذا السوق أكثر ميلاً لاستخدام استراتيجيات المدى الطويل والمتوسط على الأقل. يعزى ذلك إلى أن توقع اتجاهات النفط يتطلب تحليل دقيق لمستويات العرض والطلب الحالية والمستقبلية، وبالتالي فإن استخدام استراتيجيات من نوع الاسكالبينج تبدو في هذه الحالة أقرب إلى المقامرة أكثر من كونها نوع من الاستثمار قصير المدى.
  • يمكن للمستثمرين المهتمين بتداول النفط القيام بذلك من خلال قنوات عديدة، مثل أسواق العقود الآجلة والخيارات. ولكن هذه الأسواق أكثر ملائمة للمستثمرين الكبار حيث تتطلب رأسمال مبدئي لا يقل عن 50,000 دولار. هناك مشتقات أخرى أكثر تعقيدا مثل صناديق المؤشرات، والتي يمكن الاستثمار فيها بطريقة أقرب إلى أسواق الأسهم، حيث يمكنك شراؤها وبيعها بشكل يومي.
  • يستطيع المستثمرون أيضا الانكشاف على أسعار النفط من خلال شراء أسهم شركات الطاقة، مثل إكسون موبيل وبريتش بتروليوم وتوتال، حيث ترتفع وتنخفض أسهمها بالتوازي مع حركات أسعار النفط باعتباره المصدر الرئيسي لدخل هذه الشركات العملاقة.

أوجه التشابه بين تداول العملات وتداول النفط

حقيقة الأمر أنه وبرغم وجود اختلافات جوهرية هناك العديد من أوجه التشابه بين كلا السوقين، سنسرد بعضها في النقاط التالية.

  • تؤثر مؤشرات الاقتصاد الكلي على كلاً من سوقي الفوركس والنفط، ولكن هناك تباين في درجة التأثير.
  • استراتيجيات التداول على المدى المتوسط والطويل مناسبة للاستثمار في كلا السوقين. ولكن يختلف الأمر مع بعض استراتيجيات التداول اليومي، حيث أنها أكثر ملائمة لأسواق العملات بينما من النادر استخدامها في أسواق النفط.
  • يفضل كثير من المتداولين المخضرمين تنويع محفظتهم من خلال التبديل بين أسواق الفوركس والطاقة. على سبيل المثال، فإن متداول النفط ربما يرغب في التحوط لصفقاته من التغيرات في أسعار الصرف، وبالتالي قد يفتح صفقات على بعض العملات لاحتواء أي خسائر محتملة بسبب تغير قيمتها أمام العملات الأخرى قبل حلول تاريخ استحقاق عقود النفط.
  • وبالمثل، فإن متداول العملات قد يرغب في الاستفادة من توقعاته بشأن اقتصاد معين من خلال الدخول إلى أسواق السلع التي تتأثر بنفس المعطيات الاقتصادية.
  • على سبيل المثال، إذا كان متداول الفوركس يتوقع أن يحقق الاقتصاد الأمريكي معدلات نمو قياسية خلال الشهور القادمة بعد نجاح خطط التطعيم من فيروس كورونا ورفع إجراءات الإغلاق. في هذه الحالة فإنه سيلجأ إلى فتح صفقات شراء على الدولار الأمريكي. ولكن يمكنه الاستفادة من نفس التوقعات من خلال فتح صفقات شراء على خام غرب تكساس لأن قوة النمو الاقتصادي ستؤدي بالتبعية إلى زيادة الاستهلاك بعد رفع قيود السفر التي فرضتها الجائحة منذ منتصف العام الماضي.

العملات المشفرة أمر مختلف

نود التنويه هنا إلى أن حديثنا عن تداول العملات ينصرف إلى ما يطلق عليه أسواق الفوركس، والتي يجري فيها تبادل العملات الرسمية، أو ما يطلق عليه البعض العملات الورقية. أما إذا تحدثنا عن العملات المشفرة أو الرقمية فإن الأمر مختلف تمامًا، حيث تتميز الأخيرة بسمات مغايرة تمامًا للعملات التقليدية.

وبخلاف طبيعتها التي تشبه الخوارزميات البرمجية، فإن العملات الرقمية لا تخضع لأي سلطة حكومية أو بنك مركزي. أيضًا فإن العملات الرقمية يجري تبادلها عبر شبكة البلوكشين، وهي أقرب إلى السجل المحاسبي العام الذي يضم كافة المعاملات ويضمن توثيقها وحمايتها من التلاعب.

برغم ذلك، فإن المستثمر في أسواق الفوركس والنفط يستطيع إضافة العملات الرقمية إلى محفظته من خلال فتح حساب مع وسطاء عقود الفروقات. وكما أسلفنا، فإن هذا النوع من المشتقات المالية لا يتضمن امتلاك الأصل بشكل مادي، بل هو في جوهره مضاربة على اتجاهات الأسعار لا غير.

الخلاصة: أيهما أفضل، تداول العملات أم النفط

لا توجد إجابة محددة على هذا السؤال. الاختيار أو المفاضلة بين تداول العملات أو تداول النفط يعتمد بشكل رئيسي على تفضيلاتك الشخصية وأسلوب التداول الذي يناسبك، فضلاً عن خلفيتك الاستثمارية. وعلاوة على ذلك، فأنت لست مضطرًا بالأساس لاختيار سوق معين والابتعاد عن سوق آخر، حيث يمكنك الجمع بين تداول العملات وتداول النفط تحت سقف واحد من خلال العمل مع بعض شركات الوساطة الموثوقة.

وكما أسلفنا، تستطيع الاستثمار في بعض العملات المرتبطة بالسلع، والتي ترتبط بشكل وثيق مع اتجاهات الأسعار في بعض أسواق السلع الأساسية. يتيح هذا الخيار استخدام استراتيجيات التداول على المدى القصير والاعتماد على التحليل الفني في اتخاذ قرارات تداول سريعة.

أيضًا فإن ظهور عقود الفروقات وانتشارها كأحد أدوات المشتقات المالية ساعد في جسر الهوة بين أسواق العملات والنفط. توفر عقود الفروقات فرصة استخدام الرافعة المالية، والتداول بالهامش، وفتح صفقات بيع وشراء لتحقيق الأرباح في الأسواق الصاعدة والهابطة على حد سواء.

وفي الختام، فإن النصيحة الرئيسية هي الانتباه لمخاطر التداول في الأسواق المالية بشكل عام، واستخدام استراتيجية فعالة لإدارة رأس المال. هذا هو سر النجاح بغض النظر عن السوق الذي تختاره!

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post
Tradingview

الدليل الشامل لشرح منصة TradingView

Next Post
تداول الأسهم

أسرار تداول الأسهم، كيف تبدأ، استراتيجيات الربح والمخاطر

Related Posts
تداول الأسهم

أسرار تداول الأسهم، كيف تبدأ، استراتيجيات الربح والمخاطر

سنتناول في السطور التالية المفاهيم الأساسية والمصطلحات الرئيسية لتداول الأسهم، وبعدها ستكون قد حصلت على جرعة كافية من المعلومات التي تؤهلك للغوص بنفسك في جنبات عالم الاستثمار.
Read More